في إدارة الخلافات الزوجية.. متى تستوعب ومتى تواجه؟ |
لا شك في أنه يجب على جميع الأزواج أن يتعاملوا مع اختلافاتهم التي ستساهم في حدوث التوترات المستمرة بينهما، لأنه إذا لم يتم التعامل معها بقلوب مفتوحة وحلول إبداعية للمشكلات فإن الأمور تصبح قابلة للتطور للأسوأ، ولكن إذا كانوا قادرين على تحديد أي من السلوكيات المثيرة للمشاكل يمكن تغييره، وأيها غير قابل للتغيير - وبالتالي يجب أن يتم استيعابها – يمكن ذلك أن يساعد على تقليل خلافات العلاقات بشكل كبير.
* أسباب المشكلات الزوجية
لننظر أولاً في بعض المجالات المحتملة للتنافر بين الأزواج، والتي يمكن أن تتضمن بصراحة أي شيء تقريبًا؛ وهذه بعض الأمثلة فقط لأسباب الصراعات:
- الاختلاف حول أفضل طريقة لتربية أبنائهم
بما في ذلك كيفية تأديبهم، وما هو التدريب الديني (إن وجد) الذي يجب أن يخضعوا له، وما هي الحدود التي يجب تعيينها لهم، وصولاً إلى ما يجب أن يأكلوه أو متى يجب أن يذهبوا إلى السرير.
- الاختلاف في مجموعة متنوعة وهائلة من القضايا
والتي تتعلق ليس فقط بالتعبير عن المودة (سواء اللفظية أو الجسدية)، بل - والأكثر تعقيداً - العلاقة الجنسية بينهما ومدى تكرارها.
- الاختلاف حول تقسيم الأدوار والمهام المنزلية والأسرية
وكذلك من الذي يكون له الكلمة الأخيرة بشأنها.
- الاختلاف حول أهدافهم القريبة والبعيدة كزوجين
ما هو (أو ما ينبغي أن يكون) مهمًا لكل منهما.
* العلاج الزواجي المرتكز على العاطفة
تقول سو جونسون، مؤسسة المدرسة العلاجية المعروفة باسم "العلاج الزواجي المرتكز على العاطفة Emotionally Focused Couple Therapy"، في مقالاتها وكتبها الكثيرة أنه بمجرد أن يطور الزوجان رابطة تعلق آمنة، فإنهما يصبحان قادران تماماً على حل مشاكلهما الخاصة، بدون مساعدة علاجية.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالأولويات والقيم الأساسية، فقد وجدت في كثير من الأحيان أن الشركاء قد يحتاجون لمعرفة ما يتطلبه الأمر للعمل بانسجام في ظل الاختلافات القديمة، وفي الواقع، قد يعتمد إنشاء مثل هذه الروابط الآمنة على الاستبصار أولاً بكيف ينظرون هم إلى أنفسهم، بالإضافة إلى اختلافاتهم، بطريقة أكثر تعاطفاً وتفهماً.
وفي الواقع قد تكون القضايا التي تتحداهم فيما بينهم أقل من الصراعات الموجودة في دواخلهم، وهذه هي المساحة التي يحدث فيها تداخل بين العلاج الداخل نفسي (Intrapersonal)، والعلاج النفسي بين الشخصيات (Interpersonal).
وعلى سبيل المثال، إذا كان أحد الطرفين قد تم تربيته بطريقة معينة، فهذا يعني أنه أصبح "مبرمجًا" بهذه الطريقة، وقد يكون مصمماً على أن ينشأ أطفاله بنفس القواعد؛ فإذا كان مثلا قد تعرض للعقوبة البدنية كشكل من أشكال التأديب، مما جعله يعتبر أن طريقة العقاب البدني التي تعلم بها هي طريقة ناجحة جداً ويقرر استخدامها مع أطفاله، وبالتالي فهذا الطرف يريد أن يربي الأولاد بنفس الطريقة.. مما يؤدي لخلافات لا نهاية لها إذا كان شريكهم يحمل معتقدات قوية ضد أي نوع من العقاب البدني.
في مثل هذه الحالات، عندما يكون هناك تصادم في القيم، ولا يرغب أي طرف في الاستسلام لسلطة الطرف الآخر، فإن هدف المعالج سيكون مساعدتهما في تحديد موقع ما يمكن أن يطلق عليه القيم العامة التي يمكن الاتفاق عليها، وفي هذا المثال بالذات، إذا اتفق الطرفان - كقيمة عليا - على أنهما يريدان بشكل أساسي، أن يكون سلوكهما أفضل، فيمكن للمعالج أن بقترح عليهما قراءة المصادر التي توضح أن العقاب البدني في التربية - ورغم أنه يمكن أن يحقق نتائج سريعة - إلا أنه يؤدي لعواقب سلبية ضخمة، ثم يقترح عليهما أساليب الأبوة غير العقابية التي أثبتت أنها أكثر فعالية (ناهيك عن كونها أكثر إنسانية) من العقوبة الجسدية.
وعندما يقبل كلا الشريكين على تجربة طرق بديلة لضبط الأطفال، فإن هذا يفيد تلقائيا في تحسين شكل العلاقة فيما بينهما.
وتنشأ المشاكل عندما يتعذر على أحد الطرفين أن يشعر بالارتياح تجاه التعامل مع الطفل بطريقة تختلف كثيرًا عن الطريقة التي تم التعامل بها معه عندما كان صغيراً، وفي هذه الحالة يحتاج المعالج للاستكشاف الفردي للتعرف على توابع التربية العتيقة التي تعرض لها هذا الشريك.
هذا مجرد مثال لحالة قد يحتاج فيها المعالج لفحص الاختلافات التي لا يمكن التوفيق فيها بين الزوجين، بهدف مساعدتهم على اكتشاف الطريقة التي تجعل الحياة بينهما أكثر سلاسة، وفي هذه الحالة يقوم المعالج باستكشاف كيفية تعاملهم مع بعضهم البعض، بهدف تمكينهم من استيعاب اختلافاتهم الجوهرية في المزاج الأصلي والأذواق الشخصية والتفضيلات، وكيف يمكنهم مواجهة (بشكل سلمي) وتقليل الاختلافات في جذور علاقتهما المتنافرة.
* متى يجب أن تستوعب ومتى تكون المواجهة بسيطة إلى حد ما؟
- يجب أن تواجه
إذا كانت أي من عادات الشريك، ومواقفه، أو إكراهاته مضرة - لنفسه أو لشريكه و/أو للعلاقة أو للعائلة بشكل عام - عندئذ يجب ألا يتم استيعاب مثل هذا السلوك، بمجرد تحديده كاختلال وظيفي. إذا كان على الزوجين تحقيق النتيجة المرجوة، عندئذ يجب مواجهة الطرف "المخطئ"، بحذر. إن القيام بذلك على نحو فعال سيقود كلا الطرفين إلى تحقيق فوز، رغم أنه من الواضح أن الحزب الذي يحتاج إلى التغيير من المرجح أن يواجه صراعا أكثر صرامة. كما أؤكد مراراً وتكراراً على العملاء، قد يكون التغيير - حتى ولو كان تغييراً صغيراً - صعباً لأنه في البداية يسحبنا خارج منطقة الراحة لدينا، وبالتالي يولد القلق.
ولتقديم مثال سريع، أظهر الزوج مشاكل مزمنة مع الغضب، فقد جاء من عائلة كان الصراخ والصراخ المضاد فيها هو المعيار، وبالتالي أصبح "طبيعياً" بالنسبة له. عندما تحاول زوجته تفسير تأثيره المسيء عليها وعلى الأطفال، يجيب: "هذا أنا وهذه هي الطريقة التي أتعامل بها، لماذا أنت حساسة جدًا؟".
قد يعتقد الشريك أنه في جيناته غير قابل للإصلاح، وبالتالي يجب أن يتم استيعابه.. لكن الواقع أن "عادة" الغضب الراسخة هذه تعكس التأثيرات البيئية القوية وغير الفعالة على نموه، وهذه التأثيرات قابلة للتغيير كما هي قابلة للتثبيت، وستظهر له المشورة بشكل ملموس كيف أن غضبه السيئ الإدارة قد رفع مستوى توتره وعرّض علاقاته للخطر.
وأنه سيكون أكثر سعادة إذا تمكن من التعامل مع إحباطاته بطرق أخرى غير انفلات زمام غضبه وتخويف أو إبعاد من حوله، وأن الأمر كله يتطلب مساعدته على العمل على إصلاح ما يجب عليه أخيرًا أن يعترف بأنه لم يخدمه جيدًا.
ومحاولة زوجة هذا الرجل القبول - أو التكيف - مع سلوكه لن يؤدي إلى حل المشكلة بشكل مرضي، وهذا مثال للسلوكيات التي ينبغي فيها مواجهة المشكلة.
- أمور يفضل فيها عدم المواجهة
من ناحية أخرى، هناك على الأقل العديد من الأشياء التي سيكون الأزواج أفضل حالا فيها إذا تم استيعاب شريكهم.. فمثلا إذا كنت ترغبين في الحصول على قطة، ولكن زوجك يعاني من حساسية تجاهها.. فهذا أمر لا يستحق عناء مواجهة شريكك.
وينطبق الشيء نفسه على مجموعة متنوعة من الأذواق والتفضيلات.. فإذا كان شريكك يحب الأثاث الكلاسيك، ولديك تفضيل مميز للأثاث المودرن، فليس هناك أي معنى للمواجهة في هذه الحالة، وعليكما أن تبحثا سويا لإيجاد أرضية مشتركة بينكما؛ من خلال حلول إبداعية لاستيعاب كلا الأمرين.
أيضاً ليس هناك أي معنى للجدال إذا كان شريكك أقل انفتاحا منك، فإذا كنت تحبين الخروج أكثر منه، فهذا هو جوهر الإنطوائيون، وهم لا يريدون ولا يحتاجون إلى الكثير من التحفيز الخارجي كما تفعلين، وهذا صفة غير قابلة للتغيير، ولكن يمكن الوصول إلى حلول وسط يقوم فيها كل طرف بالإنحناء قليلا في اتجاه الآخر، وهذا هو التكيف المتبادل، أو الحل "الاستيعابي".
لذا ففي المرة التالية التي يكشف فيها شريكك (أو أي شخص آخر) عن اعتقاد أو سلوك يبدو مناقضًا لسلوكك، اسأل نفسك: "هل يمكنني استيعاب هذا الاختلاف، دون التضحية بقيمتي الأساسية أو النزاهة الشخصية بأي شكل من الأشكال؟" يمكنك، أو يمكن أن تتعلم أن تتراجع، إلا إذا كان سلوكهم مؤذيا لك أو للآخرين، فعليك اتخاذ موقف.
وإذا كان ثمة طريقة أكثر لباقة ورحمة واحترما قدر المستطاع تجعل الشخص الآخر يعرف أن سلوكه مزعج للغاية بحيث لا يمكنك قبوله، وأنه بحاجة إلى التفكير بجدية في تغييره. لأنه قد يكون من المستحيل الحصول على العلاقة التي تريدها دون التأكيد على رغباتك واحتياجاتك بشكل مباشر. ولا تنس أن تفعل ذلك بطريقة يشعر فيها الشخص الآخر أنك لا تتنافس معه (كما في "احتياجاتي يجب أن تأتي قبل احتياجاتك")، ولكنك تسعى جاهدًا لتحسين العلاقة بشكل تعاوني، حتى تصبح صحية وسعيدة قدر الإمكان.
أخيرًا، كما تطلب الحصول على التغييرات المعقولة التي تحتاجها من شريكتك/ شريكك، كن مستعدًا لسؤالهم عن التغييرات المحتملة التي قد يرغبون منك أن تقوم بها؛ فهذا هو العدل، وبذلك يمكن لكما أن تقوما بإنشاء العلاقة التي حلمتما بها دائمًا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق