قال: "لدي علاقات عاطفية كثيرة في حياتي؛ إن جاز التعبير، لا أرتوي من علاقة واحدة، وكلما قررت أن أكتفي بواحدة وأصمد، سرعان ما أنقض ما عاهدت نفسي عليه".
* عبارات غير منطوقة
هذا الإنسان الذي يتنقل من علاقة لأخرى؛ وقد يجمع بين أكثر من علاقة في آن واحد، ويتصور هو - ومن تقع في شباكه - أنها علاقات عاطفية، هذا الإنسان نقابل ضحاياه كثيرا في العيادة، وقليلا ما نقابله؛ لأنه غالبا يرى نفسه أنه طبيعي ولا يحتاج لأي علاج، وسواء تحدثت الضحايا، أو تحدث الشخص نفسه، فإن لسان الحال يقول إحدى تلك العبارات:
- "أخرج من كل علاقة بقصة درامية مختلقة؛ قد أنجح مرات في إقناع من أتخلى عنها، ومرات لا أنجح؛ لأدخل في علاقة أخرى".
- "أتخلص من العلاقة بقصة مخزية قد تصل لدرجة فضح من أتركها".
- "أنا أتمتع بالإنهاء غير المبرر للعلاقة، وأحيانا أستمتع بإنهائها بطريقة مؤذية للطرف الآخر".
- "لقد حدث كثيرا أني كنت في أكثر من علاقتين في نفس الوقت".
- أحاول أن "أشبع"، أو "أرضى" ولا فائدة.
- أنا أرتاح وأشعر باستقرار كلما تنقلت من علاقة لأخرى، أو أن أكون في أكثر من علاقة في آن واحد، ولا أشعر بالحب تجاه أي منهما رغم متعتي وأنا معهما.
* إحصائيات ونسب
ورغم عدم وجود إحصائيات علمية عن نسبة حدوث ذلك في الجنسين، إلا أن خبرة العلاج تقول إن تعدد هذه النوعية من العلاقات المؤذية أو إدمانها كان أكثر بكثير عند الرجال عنه في الإناث، وهذا رغم أن نسبة تعدد علاقات الفتيات زادت في العشر سنوات الأخيرة عن السابق بكثير.
* ما وراء هذه العلاقات
الحقيقة المهمة أن معاناة الطرف المكلوم أو من يلعب دور الضحية في حالة ازدياد، والحقيقة الأخرى أن الشخصية التي تعدد العلاقات شبه العاطفية (الوصف الأدق لهذا الشكل من العلاقات هو تواصل غير محدد المعالم مع أخريات؛ حيث لا يمكن وصف العلاقة بأنها علاقة حب حقيقي، ولا يمكننا اعتبارها علاقة تواصل نفسي صحي، ولا علاقة ائتناس إنساني منضبط وتفاهم)؛ هذه الشخصية هي شخصية غير سوية على المستوى النفسي، وبالتالي الخلقي والاجتماعي، وهذه الشخصيات تتفاوت في ما بينها في شدة ونوع عدم السواء؛ وتتواجد على متصل بدءا من الارتباك النفسي بسبب ظروف التنشئة وانتهاء باضطرابات الشخصية.
* ماذا تفعل إذا وجدت نفسك في علاقة مؤذية؟
إذا وجدت نفسك في علاقة من هذا النوع، وتلعب دور الضحية فإن جزءاً كبيراً من الاستبصار بما يحدث سيجدد رؤيتك لنفسك ولشريكك في العلاقة، وسيساعدك في اتخاذ قرار واضح، وجزءاً آخر لا يقل أهمية سيفيدك في ألا تكون ضحية مجددا؛ حيث ستتعلم كيف تكتشفه؛ لتتجنبه، ومن المهم في البداية أن نتعرف على الأسباب والخصائص المختلفة للشخص مدمن العلاقات:
- هويته الجنسية مهتزة؛ وشعوره العميق بضعف رجولته يجعله - دون إدراك منه - يريد أن يثبت رجولته من خلال تعدد الفتيات الراغبات في الاقتراب منه، وهي مشكلة قديمة جدا؛ حيث لم يتم التأكيد على هويته منذ وصل إلى سن الثالثة من عمره أو قبل ذلك بقليل.
- الشخص (شاب/فتاة)، الذي تأزمت علاقته بأمه/ أبيه، سواء بتأصيل الرفض في العلاقة أو الكره أو النبذ أو الإهمال أو المقارنة الشديدة جدا أو العقاب الصادم جدا لمرحلته النفسية - لاحظ أن الجرعة في كل هذا كانت عالية جدا لدرجة التشويه الذاتي العميق - جعلته يبحث عن الحب والقبول والإعجاب والاهتمام، وكثيرا ما يبحث عن الانتقام - سواء أدرك ذلك أو لم يدركه؛ كأنه يبحث في كل فتاة عن أمه، أو تبحث في كل رجل عن أبيها؛ ليأخذوا منهم ما حرموا منه أو لينتقموا، وفي تلك المساحة الكثير جدا من التحليلات النفسية التي قد تتعدد في تفاصيل كل حالة، ولكنها تتفق في التحليل العام، وكأن في المجمل علاقة الابن بأمه، أو الابنة بأبيها تتجلى في هذا التعدد.
- الإنسان السادي؛ وهو اضطراب نفسي يجعل الشخص في تعطش نفسي لإذلال الآخر وقهره وإخضاعه والتلذذ بعذابه؛ حيث يهوى التلذذ بتعذيب الآخر في حبه المزعوم، وفي كل تفاصيل العلاقة.
- الإنسان الهيستيري وهو إنسان يحمل عنوانا ضخما عميقا، ولكنه بلا أي تفاصيل حقيقية تخدم هذا العنوان؛ يتحدث عن العشق والغرام والحب النادر، ولا يجتهد لهذه العلاقة كما يتحدث، أو يتحدث ويتصرف بإغواء وإثارة عالية ولا يحب الاقتراب الجنسي، ولكنه يعشق أن يكون محط الأنظار والاهتمام والصدارة، ولقد وجدنا أن الشخصيات الهيستيرية معظمها من النساء.
- الرجل الذي يعاني في عمق نفسه من مشاعر النقص، والشعور بعدم القدرة، وبالتالي عدم الاستحقاق؛ وبالتالي هو لا يطمئن إلا حين يحيط نفسه طوال الوقت بمجموعة فتيات قد لا يحمل لهن مشاعر عاطفية، ولكن وجودهن يخفف وطأة شعوره بالنقص.
- الإنسان النرجسي، وهو يرى نفسه متفرداً جدا، وليس له مثيل، ولا يستحق أقل من أعظم الدرجات في كل مساحات الحياة؛ فقد تخطى مجرد الأنانية، وصار محور الكون، ولا يجوز لأي شخص آخر أن يكون في مكانه أبدا، مهما كان. بناء على ذلك؛ فهو الرجل محطم قلوب النساء قبل العذارى، وكلهن يتقاتلن على نظرة منه، وكلهن يتمنين الخضوع له كجاريات، وغالبا ما يكون مجتهدا دؤوبا ليحقق رؤيته عن نفسه بالمال والمكانة التي تمكنه من الحصول على هذا الرضا "المرضي".
- الإنسان الذي لم يكتمل نموه النفسي؛ فغلب الجزء المطالب بالغرائز بداخله الجزء الذي يحقق إشباع الغرائز بتحمل متطلبات النضوج والتحكم بكثير من النوازع، هذا الإنسان غالبا ما تتعدد علاقاته الجنسية أكثر من المشاعر - هذا إن وجدت - وهو غالبا لا يتحمل إطار الزواج، أو حتى العلاقات العاطفية، والسياق الغربي يتيح لهؤلاء الظهور حيث يمارسون الجنس الجماعي والتبادل بين الزوجات إن تزوجوا.
هذه بعض أشهر الأسباب - وليست كلها - التي ذكرتها النظريات النفسية؛ وعلى رأسها النظرية التحليلية، ولقد تحدثنا هنا بشكل إجمالي عما قد يصادفنا منهم أثناء العلاقة، وسنتحدث بإذن الله عن كيفية التعرف عليهم في مرة قادمة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق